فصل: ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نواسخ القرآن



.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَحْقَاف:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا عَلَى قولين:
أحدهما: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الدُّنْيَا، ثُمَّ لهؤلاء فيه قولان:
أحدهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَشَجَرٍ وَمَاءٍ، فَقَصَّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ مَكَثُوا بُرْهَةً لا يَرَوْنَ ذَلِكَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَتَى نُهَاجِرُ فَسَكَتَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَمَعْنَاهَا: لا أَدْرِي أَخْرُجُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي أَمْ لا رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ عَطِيَّةُ مَا أَدْرِي هَلْ يَتْرُكُنِي بِمَكَّةَ أَوْ يُخْرِجُنِي مِنْهَا.
وَالثَّانِي: مَا أَدْرِي هَلْ أُخْرَجُ كَمَا أُخْرِجَ الأنبياء قبلي أو أقتل كَمَا قُتِلُوا، أَوْ لا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِكُمْ، أَتُعَذَّبُونَ أَمْ تُؤْجَرُونَ أَتُصَدَّقُونَ أَمْ تُكَذَّبُونَ، قَالَهُ الحسن.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الآخِرَةِ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وَقَالَ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} فَأَعْلَمَهُ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى نَحْوِ هَذَا أَنَسٌ وِعْكِرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَسَخَتْهَا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الآيَةَ.
وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر ابن أبي داود قال: بنا محمد بن قهزاذ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، وَأَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النجاد، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْفَتْحِ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَبَشَرَّهُمْ بِالَّذِي غفر له، ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فقال رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هَنِيئًا لَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الآنَ مَا يُفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً}. وَقَالَ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الآنْهَارُ}.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهَا لا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إِذَا خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ شَيْءٍ ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي نَاسِخٍ وَلا مَنْسُوخٍ، وَقَالَ النَّحَّاسُ: مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُشْرِكِينَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَمْ يَزَلْ يُخْبِرُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَمَنْ مَاتَ على الإيمان فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَدْ دَرَى مَا يُفَعْلُ بِهِ وَبِهِمْ فِي الآخِرَةِ، وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الآيَةِ قَوْلُ الْحَسَنِ {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} فِي الدُّنْيَا.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}.

زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلا يَصِحُّ لَهُ هَذَا إِلا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَاصْبِرْ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَسِيَاقُ الآيَاتِ يَدُلُّ على غير ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: كَأَنَّهُ ضجر من قومه، فَأَحَبَّ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ بِمَنْ أبى منهم فأمر بالصبر.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}

فيها قولان:
أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّ حُكْمَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيِّ، وأبي حنيفة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: الْفِدَاءُ مَنْسُوخٌ نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
أَخْبَرَنَا بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا ابْنُ السَّرْحِ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بن بزار، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عن حجاج ابن الْحَجَّاجِ الْبَاهِلِيِّ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: كَانَ أَرْخَصَ لَهُمْ أَنْ يَمُنُّوا عَلَى مَنْ شَاءُوا وَيَأْخُذُوا الْفِدَاءَ إِذَا أَثْخَنُوهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: نُسِخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَةٍ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
قال: أحمد: وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ بِأَخْذِ الْفِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي بَرَاءَةٍ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
قال أحمد: وبنا حجاج، قال: بنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، قَالَ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
قال أحمد: وبنا حجاج، قال: بنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، قَالَ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قال: نسختها {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قال أحمد وبنا معاوية بن عمرو، قال: بنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةُ لا يُفَادُونَ، وَلا يرسلون.قال أحمد: وبنا حجاج قال بنا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: يُقْتَلُ أَسْرَى الشِّرْكِ، وَلا يُفَادُونَ حَتَّى يَثْخِنَ فِيهِمُ الْقَتْلُ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}.

زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: لا يَسْأَلْكُمْ جَمِيعَ أَمْوَالِكُمْ قَالَ السُّدِّيُّ إِنْ يَسْأَلْكُمْ جَمِيعَ مَا فِي أَيْدِيكُمْ تَبْخَلُوا. وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُغَفَّلِينَ مِنْ نَقَلَةِ التَّفْسِيرِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} وهذا ليس معه حديث.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ ق.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: لم تبعث لِتَجَبُّرِهِمْ عَلَى الْإِسْلامِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ قَالُوا وَنُسِخَ هذا بآية السيف.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ مِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}

الحق ها هنا النصيب، وفيه قولان:
أحدهما: أَنَّهُ مَا يَصِلُونَ بِهِ رَحِمًا، أَوْ يُقْرُونَ بِهِ ضَيْفًا، أَوْ يَحْمِلُونَ بِهِ كَلًّا، أَوْ يُغْنُونَ بِهِ مَحْرُومًا وَلَيْسَ بِالزَّكَاةِ. قَالَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الزَّكَاةُ، قَالَهُ، قَتَادَةُ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ اقْتَضَتْ وُجُوبَ إِعْطَاءِ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ فَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا حَثٌّ عَلَى التطوع ولا يتوجه نسخ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}.

زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهَا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: آيَةُ السَّيْفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ نَاسِخَهَا {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} وَهَذَا قَدْ يُخَيِّلُ أَنَّ مَعْنَى قوله {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أَعْرِضْ عَنْ كَلامِهِمْ، فَلا تُكَلِّمْهُمْ، وَفِي هَذَا بُعْدٌ فَلَوْ قَالَ: هَذَا إِنَّ الْمَعْنَى أَعْرِضْ عَنْ قِتَالِهِمْ صَلُحَ نَسْخُهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الآيَةِ أَعْرِضْ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ فَقَدْ أَوْضَحْتَ لَهُمُ الْحِجِجَ، وَهَذَا لا يُنَافِي قتالهم.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الطُّورِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهَا: انْتَظِرُوا فِي رَيْبِ الْمَنُونِ فَإِنِّي مُنْتَظِرٌ عَذَابَكُمْ فَعُذِّبُوا يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إِذْ لا تَضَادَّ بَيْنَ الآيَتَيْنِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}

فِي هَذَا الْيَوْمِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ:
أحدها: أَنَّهُ يَوْمُ مَوْتِهِمْ.
وَالثَّانِي: يَوْمُ النفحة الأولى.
وَالثَّالِثُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بآية السيف وإذا كان معنى: {فَذَرْهُمْ} الْوَعِيدَ لَمْ يَقَعْ نَسْخٌ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}

زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ:
أَنَّ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْبِرَ لِحُكْمِ رَبِّهِ وَيُقَاتِلَهُمْ، وَلا تَضَادَّ بين الآيتين.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ النَّجْمِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا}

المراد بالذكر ها هنا الْقُرْآنُ، وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى}

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَاتَّبَعَناهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} قَالَ: فَأُدْخِلَ الابْنُ الْجَنَّةَ بِصَلاحِ الآباء.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى} قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} فَأَدْخَلَ اللَّهُ الأَبْنَاءَ بِصَلاحِ الآبَاءِ الْجَنَّةَ.
قُلْتُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا نَسْخٌ غَلَطٌ، لِأَنَّ الآيَتَيْنِ خَبَرٌ، وَالأَخْبَارُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ ثُمَّ إِنَّ إِلْحَاقَ الأَبْنَاءِ بِالآبَاءِ إِدْخَالُهُمْ فِي حُكْمِ الآبَاءِ بِسَبَبِ إِيمَانِ الآبَاءِ فَهُمْ كَالْبَعْضِ تَبَعُ الْجُمْلَةِ، ذَاكَ لَيْسَ لَهُمْ إِنَّمَا فَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِفَضْلِهِ وَهَذِهِ الآيَةُ تُثْبِتُ مَا لِلإِنْسَانِ إِلا مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْهِ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النسخ من سُورَةِ الْقَمَرِ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}.

قَالَ الزَّجَّاجُ الْوَقْفُ التَّامُّ، فَتَوَلَّ عنهم ويوم مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ}. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعْنَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ إلى يوم يدع الداع، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا التَّوَلِّي مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَظَائِرِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ.

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، قال: أبنا بن المظفر الداوودي، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّويَةَ، قَالَ: أَبْنَا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد ابن حميد، قال: حدثني أبي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ عن سالم ابن أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ الأَنْمَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَرَى دِينَارًا قَالَ: قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: فَكَمْ قُلْتُ شُعَيْرَةٌ قَالَ: إنك لزهيد، قال: فنزل {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية فبيّ خفف الله عز وجل عن هذه الأمة.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قال: أبنا أبو علي ابن شاذان، قال: بنا أحمد بن إسحاق بن بنجاب، قال: بنا محمد بن أحمد ابن أبي العوام، قال: بنا سعيد بن سليمان قال: بنا أَبُو شِهَابٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آيَةٌ فِي كِتَابِ الله عز وجل مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي آيَةُ النَّجْوَى، كَانَ لِي دِينَارٌ فَبِعْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُنَاجِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ، فَمَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلا بَعْدِي.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} نسختها الآية التي تليها {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عطاء الخراساني عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} نسختها {أأشفقتم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صدقات}.
قال أحمد: وبنا عبد الرزاق، قال: بنا ابن عينية عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} قَالَ: أُمِرَ أَنْ لا يُنَاجِيَ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ تصدق علي ابن أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَنَاجَاهُ فَلَمْ يُنَاجِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ نَزَلَتِ الرخصة {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}.
قال عبد الرزاق، وبنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مَا كَانَتْ إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الفضل ابن خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدِّمُونَ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى صَدَقَةً فَلَمَّا نَزَلَتِ الزكاة نسخ هذا.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَفِيهَا {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} قال المفسرون نزل قوله: {أَأَشْفَقْتُمْ} أَيْ: خِفْتُمْ بِالصَّدَقَةِ الْفَاقَةَ {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي: أتجاوز عَنْكُمْ وَخَفَّفَ بِنَسْخِ إِيجَابِ الصَّدَقَةِ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَشْرُ لَيَالٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ إِلا سَاعَةً مِنْ نهار.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النسخ من سُورَةِ الْحَشْرِ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الفيء على قولين:
أحدهما: أَنَّهُ الْغَنِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ عَنْوَةً وَكَانَتْ فِي بَدْءِ الْإِسْلامِ لِلَّذِينَ سَمَّاهُمُ الله ها هنا دُونَ الْغَالِبِينَ الْمُوجِفِينَ عَلَيْهَا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الأَنْفَالِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآيَةِ - هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ فِي آخَرِينَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} الآية، قال: كَانَ الْفَيْءُ بَيْنَ هَؤُلاءِ فَنَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الأَنْفَالِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}.
قال أحمد: وبنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، قَالا: نَسَخَتْ سُورَةُ الأَنْفَالِ سُورَةَ الْحَشْرِ.
قال أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ قَالا: كَانَتِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَنَسَخَتْهَا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْفَيْءُ مَا أخذ من أموال المشاركين مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، كَالصُّلْحِ وَالْجِزْيَةِ وَالْعُشُورِ وَمَالِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي دار الإسلام وَلا وَارِثَ لَهُ، فَهَذَا كَانَ يُقَسَّمُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ فَأَرْبَعَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ يَفْعَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِلْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ.
وَاخْتَلَفَ العلماء فيها يُصْنَعُ بِسَهْمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلخْلِيفَةِ بَعْدَهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. فَعَلَى هذا تَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مُبِيِّنَةً لِحُكْمِ الْفَيْءِ وَالَّتِي فِي الأَنْفَالِ مُبَيِّنَةٌ لِحُكْمِ الْغَنِيمَةِ فَلا يُتَوَجَّهُ نَسْخٌ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: رَوَى لَنَا الثِّقَةُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: دَخَلَتْ آيَةُ الْفَيْءِ فِي آيَةِ الْغَنَائِمِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبُّوَيْهِ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَسُورَةُ الْحَشْرِ نَزَلَتْ بَعْدَ الأَنْفَالِ بِسَنَةٍ فَمُحَالٌ أَنْ يَنْسَخَ مَا قَبْلُ مَا بَعْدُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وبنا خشيش بن أصرم، قال: بنا يحيى بن حسان، قال: بنا محمد بن راشد، قال: بنا لَيْثُ بْنُ أَبِي رُقَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، أَنَّ سَبِيلَ الخمس سبيل الفيء.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ مِنْ سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآيَةُ وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآيَةُ.

زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَأَنَّهُ منسوخ بآية السيف.
أخبرنا بن ناصر، قال: بنا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن عبيد، قال: بنا محمّد ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} قَالَ نَسَخَتْهَا: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى الآيَتَيْنِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ لا وَجْهَ لِادِّعَاءِ النَّسْخِ، لِأَنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُحَارِبِينَ سواء كانوا قَرَابَةً أَوْ غَيْرَ قَرَابَةٍ غَيْرُ مُحَرَّمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ بِكُرَاعٍ أَوْ سِلاحٍ أَوْ دِلالَةٍ لهم على عورة أَهْلِ الْإِسْلامِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «لَمَّا قَدِمَتْ عَلَيْهَا أُمُّهَا قَتِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى الْمَدِينَةَ بِهَدَايَا فَلَمْ تَقْبَلْ هَدَايَاهَا وَلَمْ تُدْخِلْهَا مَنْزِلَهَا، فَسَأَلَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية فأمرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُدْخِلَهَا مَنْزِلَهَا وَتَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُكْرِمَهَا وَتُحْسِنَ إِلَيْهَا».

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الآيَةُ وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} الآيَةُ.

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَالَحَ مُشْرِكِي مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ لهم وكتبوا بذلك الْكِتَابَ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ، وَفِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ ثلاثة أقوال: أحدها: أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ.
وَالثَّانِي: سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ.
وَالثَّالِثُ: أُمَيْمَةُ بنت بشر فنزلت: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} وَفِيمَا كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهِ ثَلاثَةُ أقوال:
أحدها: الإِقْرَارُ بِالإِسْلامِ.
وَالثَّانِي: الاسْتِحْلافُ لَهُنَّ: مَا خَرَجْنَ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ وَلا رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ وَلا الْتِمَاسَ دُنْيَا وَمَا خَرَجْنَ إِلا حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
وَالثَّالِثُ: الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّهُنَّ إليهم. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ دَخَلَ رَدُّ النِّسَاءِ إِلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ لفظاً أو عموماً؟
فقالت طَائِفَةٌ: قَدْ كَانَ شَرْطُ رَدِّهِنَّ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُنَّ مِنَ العقد وأبقاه في الرجال.
وقال طائفةلم يَشْرُطْهُ صَرِيحًا بَلْ كَانَ ظَاهِرُ الْعُمُومِ اشْتِمْالَ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ مَعَ الرجال فبين الله عز وجل خُرُوجَهُنَّ عَنْ عُمُومِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُنَّ وبين الرجال، لأمرين:
أحدهما: أَنَّهُنَّ ذَوَاتُ فُرُوجٍ تَحْرُمْنَ عَلَيْهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَسْرَعُ تَقَلُّبًا.
فَأَمَّا الْمُقِيمَةُ عَلَى شِرْكِهَا فَمَرْدُودَةٌ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: إِنَّمَا لَمْ يَرُدَّ النِّسَاءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْفِعْلُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ} يَعْنِي: أَزْوَاجَهُنَّ الْكُفَّارَ، {مَا أَنْفَقُوا} يَعْنِي: الْمَهْرَ، وَهَذَا إِذَا تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا أَحَدٌ، فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ شَيْءٌ، وَالأُجُورُ: الْمُهُورُ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بالكوافر الوثنيات ثم لو قُلْنَا إِنَّهَا عَامَّةٌ كَانَتْ إِبَاحَةُ الْكِتَابِيَّاتِ تَخْصِيصًا لَهَا لا نَسْخًا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات} وقوله: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} أَيْ: إِنْ لَحِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْكُمْ بِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ مُرْتَدَّةً فسألوهم مَا أَنْفَقْتُمْ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا لم يدفعوها إليكم {وَلْيَسْأَلوا} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ الذَّينَ لَحِقَتْ أَزْوَاجُهُمْ بِكُمْ مُؤْمِنَاتٍ إِذَا تَزَوَّجْنَ مِنْكُمْ، من تزوجهن ما أنفقوا وهوالمهر، وَالْمَعْنَى: عَلَيْكُمْ أَنْ تَغْرَمُوا لَهُمُ الصَّدَقَاتِ كَمَا يَغْرَمُونَ لَكُمْ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} أَيْ: أَصَبْتُمُوهُمْ فِي الْقِتَالِ بِعُقُوبَةٍ حَتَّى غَنِمْتُمْ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} أَيْ: أَعْطُوا الأَزْوَاجَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ مَا أَنْفَقُوا مِنَ الْمَهْرِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّ إِذَا فَرَرْنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، إِلَى أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ فَتَزَوَّجُوهُنَّ، بَعَثُوا بِصَدَاقِهِنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَإِذَا فَرَرْنَ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلى كفار لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَتَزَوَّجُوهُنَّ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً أُعْطِيَ زَوْجُهَا مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ اقْتَسَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ، وَنُبِذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ وَأُمِرَ بِقِتَالِ المشركين كافة.
قال أحمد: وبنا أسود بن عامر، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صُلْحٌ فَإِذَا خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ أَعْطَوْا زوجها ما أنفق، وإذا خرجت امرأة من المشركين إلى المسلمين أَعْطَوْا زَوْجَهَا مَا أَنْفَقَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهَذِهِ الأَحْكَامُ من أداء الْمَهْرِ وَأَخْذِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَعْوِيضِ الزَّوْجِ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ صَدَاقٍ، قَدْ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: كُلُّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ نَسَخَتْهَا آيَةُ السيف.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ:

.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
قُلْتُ: قَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ من مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَنَعَتْهُ زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ آمَنُوا مَعَهُ وَلَكِنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ حُبًّا لِإِقَامَتِهِ فَلا يُتَوَجَّهُ نسخ.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ ن:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ}.

زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ فَلا نَسْخَ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}

قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نظائر هذا فيما سبق.

.بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ سَأَلَ سَائِل:ٌ

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ صَبْرًا لا جَزَعَ فِيهِ، وَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَظَائِرِ هَذَا.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}

زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ بِلِقَاءِ الْقِيَامَةِ فَلا وَجْهَ للنسخ.